عبد المجيد بوشنفى
لي مع مدينة أصيلة، قصة روحية وجدانية غريبة، تملكتني في اول زيارة لها، احببتها ولا زلت أحبها، لحظاتها، ذكرياتها سكنت/ وتسكن روحي وقلبي ولازالت حية ترفرف بين أضلعي.
زرتها في الثمانينات، بمعية أبناء حيي، اكترينا بيتا بين اهل البيت، كان صغيرا لكنه جميلا قريبا من أحد اسواق المدينة.
في النهار كنا نذهب للبحر للاستجمام، والتمتع بأمواج البحر، وتعزيز صحتنا النفسية وخفض قلق وتوتر السنة الدراسية، وفي الليل نتمشى بالشارع الرئيسي للمدينة، كما نتجول بأزقة المدينة القديمة، نستمتع بجداريتها التي تجعل من المدينة متحفا مفتوحا حاملة رسائل فنية إنسانية، ولا ننسى اطلالتنا على “القريقية” التي تشكل فضاءا للتأمل واستنشاق هواء نقي.
أحببنا المدينة ببساطتها وجمالها، وبعمقها الحضاري والتاريخي والثقافي، وبواقعها البيئي المنفرد حيث لا تلوث سمعي وبصري وهوائي.
منذ ذاك الوقت، دأبت على زيارتها كل سنة في الصيف، بحيث اشعر بفراغ عاطفي إذا لم استنشق هواءها، واتنسم ربيعها، واستمتع بهدوئها وتناغمها المعماري، واسمع الى صوت أمواج بحرها.
الذي زادها/ ويزيدها رونقا وعظمة، مهرجانها الثقافي الذي تتوزع برامجه بين مناقشة قضايا تهم العالم العربي الإسلامي، وبين الابداع الفني التشكيلي، الادبي الشعري، والامسيات الغنائية الراقية الرائعة ذات الذوق الرفيع.
أصبحت المدينة موطن الشعراء والأدباء والمفكرون والتشكيليون العالميون، منهم من استقر بها فاتخذها مرسما لإبداعاته.
مدينة ساحرة بشكلها المعماري المتناغم، كل من زارها أحبها لهدوئها، سكينتها، وابتعادها عن الصخب والتصنع الرأسمالي لا تشعر فيها بالفوارق الاجتماعية، ولا بالعنف الطبقي كما هو الحال في المدن الكبرى المغربية.
مدينة فاتحة ذراعيها لاحتضان جميع الشرائح الاجتماعية مانحة لها فرصة نفسية لتفريغ قلقها السنوي امام البحر، ولتأخذ قسطا من الراحة.
اليوم، تخضع المدينة لمخطط حضري، يثير مخاوف كبيرة لعشاق المدينة ومحبيها من ان يفقدها خصوصيتها الثقافية وهويتها المعمارية.
فمن حق المدينة ان تتهيأ حضريا، لكن وفق مخطط حضري يراعي خصوصية المدينة الحضارية، التاريخية والثقافية.
فهيكلة المدينة، لا تعني تقليد نموذج حضري معين، ولا قتلها واغتيالها إسمنتيا بالعمارات الشاهقة والمطاعم والمقاهي الفاخرة، بل بالحفاظ على هويتها المنفتحة وبصيتها الثقافي الفني العالمي.