كوكب الأرض يحتفل بيوم عالمي للغابات والتنوع الحيوي

 

                    على هامش “اليوم الدولي للغابات”،المنظم ضمن فعاليات المؤتمر الثالث والعشرين للأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، و بصفتي ملاحظا بالمؤتمر، حضرت هذا الحدث الرئيسي المعني بالغابات في 12 نوفمبر 2017 في  مدينة بون الألمانية للوقوف على التقدم المحرز والالتزامات الجديدة المتعلقة بحماية الغابات واستعادتها. 

                   و بناءً على مبادرات الرؤساء السابقين لمؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وعلى البرامج الناجحة مثل برنامج عمل ليما -باريس، تم تنظيم أيام مخصصة لمساهمة الغابات في العمل المناخي في مؤتمرات الأطراف.

                    فمنذ الدورة العشرين لمؤتمر الأطراف لعام 2014 المنظمة بالعاصمة ليما، اعترف رسميًا بأن التزامات جميع الجهات الفاعلة  من شركات ومنظمات غير الحكومية وشعوب الأصلية وكذلك الأطراف  ضرورية تحقيق أهداف اتفاقية باريس وأهداف التنمية المستدامة.     

               لذلك تم إنشاء برنامج العمل العالمي بشأن المناخ ليكون بمثابة حلقة وصل بين العمل على أرض الواقع وعملية التفاوض لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ولزيادة العمل المناخي الطموح من قبل جميع الأطراف.

                ويحتفل العالم في 21 مارس من كل عام  باليوم العالمي للغابات، واختارت هيئة المتحدة هذه السنة شعار “الغابة و التنوع البيولوجي أثمن من أن نخسرهم”، على أساس أن الغابات تعتبر أكثر تنوعا من الوجهة البيئية عن أي نظام إيكولوجي أرضي آخر، ويسهم حفظ غاباتنا واستخدامها على نحو مستدام في حماية أكثر من ثلثي الأنواع الحيوانية والنباتية الأرضية كافة، ويوفر التنوع البيولوجي أساسا لصحة الغابات وحيويتها، ويقوم عليه طائفة عريضة من خدمات النظام الإيكولوجي الضرورية لسبل عيش الشعوب ورفاهيتها.  

                  ويمكن للموارد البيولوجية الغنية للغابات، إذا استخدمت بحكمة، أن تنتج منافع اقتصادية واجتماعية وثقافية لا تحصى، أما تدمير هذا الكنز الطبيعي فهو ينطوي على تداعيات بعيدة المدى على السكان، وخصوصا الفقراء منهم الذين يعتمدون على الغابات في سبل عيشهم، و تتلاشى الغابات بسرعة لأنها لاتحظى بالتقييم الكامل، ويعجز اقتصادنا القائم على السوق عن الاعتراف بخدمات النظام الإيكولوجي التي توفرها الغابات البكر.

                    ولوقف ضياع هذا الكنز الحي من كوكبنا، علينا أن نفهم ونقدر النطاق الكامل لقيمة الغابات وأهميتها لرفاهية الإنسان والتنمية،ولماذا يعتبر التنوع البيولوجي مهمة اليوم الدولي للغابات، حيث يمكن النجاح في حفظ التنوع البيولوجي للغابات واستخدامها على نحو مستدام إذا وجدت إرادة سياسية كافية للقيام بذلك.  

                   و على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية تقوم مجموعة من المنظمات باتخاذ مجموعة من التدابير لإنقاذ التنوع البيولوجي للغابات حول العالم،و هم على  أمل تبادل الخبرات وقصص النجاح للحفاظ على زخم هذه الجهود، ويمكن في الغالب النجاح في استعادة التنوع البيولوجي للغابات المتدهورة إذا أمكن التحكم بفعالية في جميع العوامل التي تؤدي إلى تدهور الغابات.

                    وتوفر المناظر الطبيعية للغابات أمل استعادة الغذاء والعديد من خدمات النظام الإيكولوجي الضرورية،ويمكن للشعوب في العالم أجمع أن تؤثر مباشرة في مصير التنوع البيولوجي للغابات من خلال خياراتها الفردية، فالمستهلكون يتحملون مسؤولية الالتزام بالسلوك المستدام والحد من بصمتهم البيئية.

                    و تغطي الغابات حوالي 31 في المائة من مساحة الكرة الأرضية؛ أي حوالي 4 مليارات هكتار، وتحتوي على أكثر من ثلثي الأنواع الأرضية في العالم،  حيث يوجد في حوض الأمازون لوحده ما يقدر بنسبة 25 في المائة من جميع الأنواع التي تعيش على اليابسة، كما يقع ما نسبته 53  في المائة من غابات العالم في خمسة بلدان فقط، هي البرازيل والصين وكندا والاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية.    

                يعتمد أكثر من 6.1 مليارات نسمة على الغابات في معيشتهم؛ ويسكن الغابات حوالي 300 مليون نسمة حول العالم ويعتمد 80 في المائة من سكان البلدان النامية على الأدوية التقليدية، التي يأتي نصفها تقريبا من النباتات الموجودة أساسا في الغابات المدارية.

                و تأتي ثلاثة أرباع كميات المياه العذبة المتوافرة في العالم من مستجمعات المياه في الغابات؛ وتنقي الغابات مياه الشرب لثلثي المدن الرئيسية في البلدان النامية، و يتعرض التنوع البيولوجي في الغابات للفقدان بمعدل يثير الفزع: إذ يندثر حوالي 100 نوع من الحيوانات والنباتات يوميا في الغابات المدارية بالموازاة مع انخفاض مساحات الغابات الأولية بأكثر من 40 مليون هكتار منذ عام 2000، ومعظمها بسبب قطع الأشجار والتوسع الزراعي.

                    تباطأ معدل إزالة الغابات بعض الشيء على مدى العقد الأخير،ومع ذلك يفقد العالم كل سنة حوالي 13 مليون هكتار من غاباته، وهي مساحة تساوي حجم مساحة اليونان أو نيكاراغوا،وربما أسهمت الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها بأكثر من 15 في المائة في انبعاثات غازات االاحترار العالمي السنوية.      

              وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى مليار هكتار، أو حوالي ربع مساحة أراضي الغابات في حاجة إلى استعادة لتحسين إنتاجيتها وتحسين إيصال خدمات النظام الإيكولوجي، واسترداد مناطق الغابات هذه سيعود بمنافع جمة على التنمية المستدامة. وعلى الصعيد العالمي،تم تعيين أكثر من 460 مليون هكتار من الغابات، أي 12 في المائة من المساحة الكلية للغابات لحفظ التنوع البيولوجي كوظائف أولية، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 32 في المائة منذ عام 1990.  

                                 و تؤكد اتفاقية باريس بشأن تغيرالمناخ،أن الغابات والأشجار تلعب دورًا حاسمًا في تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، حيث تعمل كبالوعات كربون، فهي تمتص ما يعادل 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، ومع ذلك، فإن إزالة الغابات يبقى السبب الرئيسي الثاني لتغير المناخ بعد استخدام الوقود الأحفوري، وتمثل ما يقرب من20 في المائة من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة و أكثر من قطاع النقل العالمي.     

               و يمكن للإدارة الفعالة للغابات أن تبني المرونة والقدرة على التكيف مع الكوارث الطبيعية ذات الصلة بالمناخ، وبالتالي أهمية دمج هذه التدابير في الاستراتيجيات الوطنية للحد من مخاطر الكوارث، وسيكون الحد من الانبعاثات الناتجة عن تخريب الغطاء الغابوي وتدهورها ودور الحفظ، والإدارة المستدامة للغابات وتعزيز مخزون الكربون في الغابات ضروريًا للعمل العالمي بشأن تغير المناخ.

                    و كانت البلدان الخمسة والعشرون ذات الغطاء النباتي الأكبر قد أدرجت مبادرات التخفيف المتعلقة بالغابات عبر الحد من إزالة الغابات وتدهورها، وتعزيز مخزون الكربون في الغابات في تدابير إدارتها عبر التخفيف الخاص بكل بلد ومساهماتهم المحددة وطنياً. 

                   وتظهر الأدلة النوعية أن الغابات والأشجار تقدم أيضًا مساهمات مهمة في أهداف التنمية المستدامة من خلال القطاع غير الرسمي، والزراعة وفرص التمكين للمرأة و الإدارة المستدامة لموارد المياه،والسياحة، والمدن المستدامة، والتكيف مع تغير المناخ، ومكافحة تدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي.

فعندما نشرب كوبا من الماء أو نكتب في دفتر أو نتناول دواء أو نبني منزلا، فإننا غالبا لا ندرك الصلة بين تلك الأشياء والغابات. ومع ذلك، فكل تلك المسائل وغيرها كثير مرتبطة بالغابات بصورة ما.

إن الغابات والاستخدام والإدارة المستدامة لهما  بما في ذلك النظم الإيكولوجية الهشة  هي مفتاح مكافحة تغير المناخ، والمساهمة في ازدهار الأجيال الحالية والمقبلة ورفاهيتها، وللغابات دور مهم كذلك في التخفيف من حدة الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ، فهي تغطي ثلث مساحة اليابسة على الأرض، ولها وظائف حيوية في كل أنحاء العالم، وعليها يعتمد ما يزيد عن مليار ونصف فرد بما في ذلك أكثر من ألفين ثقافة أصلية في كسب معايشهم والحصول على الأدوية والوقود والغذاء والمأوى.

والغابات هي النظم الإيكولوجية الأكثر تنوعا بيولوجيا على الأرض، حيث تضم أكثر من 80% من الأنواع البرية من الحيوانات والنباتات والحشرات.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التي لا تقدر بثمن، فإن عملية إزالة الغابات لا تزال متواصلة على المستوى العالمي بمعدل ينذر بالخطر.

                    و لفترة طويلة  ظللنا ننظر إلى الغابات على أنه ليسلها أية وظائف بحتة أو زخرفية، أو  ننظر إليها على كونها كائنات من الدرجة الثانية: أنها توفر لنا بقع الظل حيث يمكننا الراحة أو حماية أنفسنا من الشمس،شجرها يزودنا بالورق والوقود والفواكه والمكسرات، هذه المزايا معروفة جيداً، لكن الغابات توفر لنا خدمات أخرى تكاد تكون غير مرئية بالعين المجردة، إنها تعمل خلف الكواليس وتنقي مياهنا وتنقي هواءنا وتحمينا من آثار تغير المناخ. إنها ملاك لحراسة أكثر من مليار شخص،تقدم الغذاء والنباتات الطبية والوقود لأولئك الذين بدون غابات،و الذين لن تكون لديهم وسيلة للوصول إلى هذه الموارد، فهي تحتوي على أكثر من ثلاثة أرباع التنوع البيولوجي للأرض وتوفر موئلاً لكثير من الناس.

و بعيدا عن أنها تقدم لنا فقط تفاحة أو برتقال يتم انتقاؤها من شجرة من وقت لآخر، فإن الغابات هي أسواق طعام حقيقية، فما يقرب من 50 في المائة من الفاكهة التي نتناولها تأتي من الأشجار، ناهيك عن المكسرات والتوابل التي نضعها في سلة طعامنا.

                    وتعتمد بعض المجتمعات بشكل شبه حصري على الغابات في غذائها، و يعيش حوالي 40 في المائة من سكان الريف الذين يعيشون في فقر مدقع في الغابة أو في السافانا. بالنسبة لهذه المجتمعات، فإن الغابات هي تأمين ضد الجوع، وتوفر الغابات جزءًا كبيرًا من موارد مياه الشرب لأكثر من ثلث أكبر مدن العالم، بما في ذلك نيويورك وبومباي،حيث تنشأ العديد من الأنهار والجداول في الغابات، تعمل الأشجار كمرشحات وتزودنا بمياه الشرب الضرورية للحياة على الأرض.

                    و يستخدم ما يقرب من ثلث سكان العالم الخشب كمصدر للطاقة لطهي الطعام والمياه المغلية والتدفئة،و يوفر الخشب من الغابات حوالي 40 في المائة من موارد الطاقة المتجددة في العالم مثل الطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح مجتمعة، و تنمو الأشجار مرة أخرى ، ولكننا بحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على الاستخدام المستدام لهذه الموارد لمنع تدهور الغابات. 

                   قد تبدو الغابات والأشجار أبطالا في مكافحة تغير المناخ، إنها تجعل مدننا أكثر استدامة عن طريق تحديث الهواء وتنظيفه من الملوثات بشكل طبيعي، فهي تحافظ على صحتنا من خلال تقديمها لنا أماكن للراحة والاسترخاء،تعالج تدهور الأراضي وتدافع ضد فقدان التنوع البيولوجي من خلال توفير موائل للنباتات والحيوانات.  

                  تعمل الغابات كبالوعات من الكربون ، وتمتص ما يعادل حوالي 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام،و عندما يتم قطع الأشجار،تطلق ثاني أكسيد الكربون هذا في الغلاف الجوي، فإزالة الغابات هو السبب الرئيسي الثاني لتغير المناخ، وراء حرق الوقود الأحفوري، وهو يمثل ما يقرب من 20 في المائة من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة  أكثر من تلك المنبعثة من قطاع النقل العالمي. 

                   و تنمو السياحة الإيكولوجية بمعدل أسرع ثلاث مرات من قطاع السياحة ككل، وهي تمثل الآن حوالي 20 في المائة من السوق العالمية، وقد وصلت الدراسات إلى حد ربط المساحات الخضراء بالأشجار المزروعة في المدن مع تقليل معدلات السمنة والجريمة، فعلى سبيل المثال، معدل السمنة للأطفال أقل في المناطق التي يكون فيها الوصول إلى المساحات الخضراء كافياً عنها في المناطق التي تكون فيها محدودة أو غير موجودة.

                    في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، تلتزم البلدان بمعالجة تحديات اليوم المعقدة: القضاء على الجوع والفقر ، والتكيف مع تغير المناخ، وتحسين مرونة المجتمعات، وتعزيز النمو الشامل والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية للكوكب. و تحدد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر  و 169 غاية و 230 مؤشرًا لهذا البرنامج بدقة ما يجب على البلدان تحقيقه في إطار زمني معين، ويتيح الرصد المنتظم للإنجازات إمكانية قياس التقدم المحرز، فعلى الصعيد العالمي، يطالبون بإتباع مناهج شمولية وتشاركية، لجمع كل أصحاب المصلحة معًا وضمان “عدم ترك أحد في الخلف”. 

                   تقدم الغابات والأشجار مساهمات حيوية لكل من الناس والكوكب، وتقوية سبل العيش ، وتنقية الهواء والماء ، والحفاظ على التنوع البيولوجي ، وتوفير الحلول للتعامل مع تغير مناخي.إن الغابات مصدر للغذاء والدواء والوقود لأكثر من مليار شخص، بالإضافة إلى المساهمة في التدابير المتخذة استجابة لتغير المناخ وحماية التربة وموارد المياه ، فإن الغابات هي موطن لأكثر من ثلاثة أرباع التنوع البيولوجي الأرضي ، وتوفر العديد من المنتجات والخدمات التي تسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي ذات أهمية خاصة لمئات الملايين من الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية. 

                   ومع ذلك، من المتوقع أن ينمو عدد سكان العالم من حوالي 7.6 مليار اليوم إلى حوالي 10 مليار بحلول عام 2050، حيث يمارس الطلب العالمي المقابل على الغذاء  الذي يُقدر أنه سينمو بنسبة 50 في المائة خلال هذه الفترة  ضغطا هائل على أنماط الاستخدام المنتج للأراضي، لا سيما في البلدان النامية حيث تتركز الغالبية العظمى من 800 مليون جائع وفقير في العالم.

                    إن إزالة الغابات، التي تتم ممارستها بشكل رئيسي لتحويل أراضي الغابات إلى مناطق المحاصيل والماشية، لا تهدد فقط سبل عيش الغابات   ومجتمعات الغابات والشعوب الأصلية، ولكن أيضًا تنوع الحياة على كوكبنا، و يؤدي تغير استخدام الأراضي إلى فقدان الموائل القيمة وتدهور الأراضي وتآكل التربة وتناقص إمدادات مياه الشرب وانبعاث الكربون في الغلاف الجوي.

                    إن أهمية الغابات والأشجار في صحة وازدهار كوكبنا معترف بها عالميا، ولكن يمكن أن تكون أكثر عمقا مما يتصور، فقد تم اعتماد 230 مؤشرًا لخطة 2030، التي وافقت عليها اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة في شهر مارس من سنة2016، لمساعدة البلدان على قياس التقدم المحرز في تحقيق أهدافها، مع السماح لها بالتعلم من تجاربها وتحديد المجالات ذات الأولوية لتخصيص الموارد لها. وتتعلق العديد من مؤشرات الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة بالغابات، ولا سيما رصد نسبة الغابات التي تدار على نحو مستدام،فقد وجد التقييم العالمي لموارد الغابات، الذي تنسقه منظمة الأغذية والزراعة، أن مساحة الغابات انخفضت من 31.6 في المائة إلى 30.6 في المائة من مساحة الأراضي بين عامي 1990 و 2015. 

                   هناك أدلة كمية على أن الغابات تدار على نحو أكثر استدامة وأن الغابات والأشجار تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشأن سبل العيش والأمن الغذائي لكثير من سكان الريف الفقراء، بشأن الحصول على الطاقة بأسعار معقولة والنمو الاقتصادي المستدام، والاستهلاك والإنتاج المستدامين، والتخفيف من آثار تغير المناخ، وكذلك الإدارة المستدامة للغابات. 

                   و تترتب على التغيرات في الغطاء الأرضي واستخدامه وإدارته عواقب وخيمة على إمدادات المياه في البلدان، و تأتي ثلاثة أرباع المياه العذبة في العالم من مستجمعات المياه الغابوية، لكن الأبحاث تظهر أن 40 في المائة من مستجمعات المياه الرئيسية البالغ عددها 230 في العالم فقدت أكثر من نصف الغطاء النباتي الأصلي. ومع ذلك، فقد زادت مساحة الغابات المدارة من أجل الحفاظ على المياه والتربة على الصعيد العالمي على مدى السنوات الـ 25 الماضية، وفي عام 2015، تمت إدارة ربع الغابات لواحد على الأقل من هذه الأغراض. 

                   و يمكن أن يؤدي تحديث قطاع الطاقة الخشبية التقليدي تحسين سبل العيش، وإنشاء صناعات مستدامة، وتحرير الموارد للاستثمار في الإدارة المستدامة للغابات، و ربما لا يوجد شيء يوضح إمكانات الغابات أفضل من حقيقة أن قطع الخشب ينمو، حيث يستخدم حوالي ثلث سكان العالم، حوالي 2.4 مليار نسمة الخشب لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الطاقة لأعمال الطهي و الماء المغلي  وللتدفئة. 

                   تحتاج الزراعة المستدامة إلى غابات صحية ومنتجة. تدعم الغابات والأشجار استدامة الزراعة من خلال تثبيت التربة والمناخ ، وتنظيم تدفق المياه ، وتوفير الظل أو المأوى، وتوفير الموائل للملقحات والمفترسات الطبيعية للآفات الزراعية، من بين أمثلة أخرى.

                    ويمكن للغابات والأشجار، المدمجة في المناظر الطبيعية الزراعية، أن تحسن الإنتاجية الزراعية، كما أنها تساهم في الأمن الغذائي لمئات الملايين من الناس، الذين يمثلون بالنسبة لهم مصادر مهمة للغذاء والطاقة والدخل في الأوقات الصعبة. 

                   إن تعزيز الأطر القانونية التي تعترف وتضمن للمجتمعات المحلية وأصحاب الحيازات الصغيرة حق الوصول إلى الغابات والأشجار سيسهم بشكل كبير في الأهداف العالمية للقضاء على الفقر والاستدامة. 

                   وإجمالا ، يتمتع 1.5 مليار شخص ينتمون إلى السكان المحليين والأصليين بحقوق على موارد الغابات المضمونة بموجب أنظمة حيازة الأراضي المجتمعية. هناك فوائد كبيرة في منح السكان المحليين الذين يمتلكون المعرفة التقليدية الفرصة للتأثير على القرارات المتخذة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. عندما يكون لديهم حقوق واضحة ومضمونة، من المرجح أن يتخذ الناس نهجًا طويل الأجل لإدارة الغابات لأنهم يعرفون أنهم أو أحفادهم سيستفيدون. و يمكن أن يؤدي الوصول إلى الأراضي والموارد والاستثمارات في الغابات والأنشطة ذات الصلة إلى تحويل النساء والشباب ورجال الأعمال الريفيين إلى محولات تؤدي إلى عالم مستدام. 

                   و يتيح تعزيز حقوق الحيازة فرصة لتحسين المساواة في وصول الرجال والنساء إلى الغابات والأشجار ، ويشجع على إتباع نهج مستدام طويل الأجل لإدارة الغابات. تسلط الدراسات الضوء على أهمية سيدات الأعمال، وخاصة في القطاع غير الرسمي، وكذلك دورهن القيادي في إدارة الغابات المجتمعية والمشاركة. إن مبادرة الشباب وطاقتهم للطاقة أمران أساسيان لمستقبل هذا القطاع. من خلال التركيز على التدريب وبناء القدرات وتطوير منظمات المنتجين، يمكننا مساعدة الشباب على رؤية أنه يمكنهم كسب العيش من الغابة وبالتالي إقناعهم بمقاومة نداء الهجرة العشوائية. الاستثمار في القطاع غير الرسمي – من خلال زيادة النشاط الاقتصادي، وتحسين ظروف العمل والحافز لاعتماد نهج أكثر استدامة لإدارة الغابات، و تشمل قطاعات الغابات المنظمة وغير المهيكلة العديد من المؤسسات الصغيرة والصغيرة ، والتي تعمل جنبًا إلى جنب مع بعض الشركات الكبيرة جدًا، و على نطاق صغير، غالبًا ما تكون الأولويات هي توفير التدريب الذي يهدف إلى تحسين ممارسات إدارة الأراضي، وتشجيع الزراعة وتطوير منظمات المنتجين، وتسهيل الوصول إلى الأسواق وتوفير الآليات المالية وتكييفها على نطاق أوسع، قد يكون من الضروري معالجة العوائق المحتملة أمام الاستثمار.

                    لتحقيق الطموح القديم لإنهاء الجوع والفقر وبناء عالم مستدام، تدعو خطة 2030 الوزارات القطاعية إلى تغيير طريقة عملها وتنسيق سياساتها على المستوى الوطني. 

                   إذا أريد تحقيق التنمية المستدامة، فيجب تزامن التدابير المتعلقة بالغابات والزراعة والغذاء واستخدام الأراضي والتنمية الريفية والتنمية الوطنية، حيث تختلف المحددات اختلافًا كبيرًا عبر البلدان والمناطق، ولكن يحتاج صانعو السياسات إلى إدراك الحاجة إلى المقايضات، واتخاذ خطوات ملموسة لتحسين مواءمة الأهداف المختلفة وهياكل الحوافز،هذا النهج المتكامل ضروري للتقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. 

                   و يعد إنشاء منصات لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة التي تجمع بين القطاعات الرئيسية و التي تستخدم الموارد الطبيعية وإدارتها إحدى الوسائل لتحقيق التنسيق عبر القطاعات والتغلب على الصعوبات التي تواجهها الحكومات التي يتم تنظيم إداراتها ووكالاتها من قبل القطاع ولها مواردها الخاصة ونظم المسؤولية.

ستمكن هذه المنصات مختلف الوزارات والهيئات العامة وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين من التشاور وتنسيق إجراءاتهم، مع التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستفادة من الروابط المتبادلة وتحديد وإزالة العقبات التي تحول دون التغيير و لرصد التقدم.

نبذة عن الكاتب

عبد المجيد بوشنفى، مدير النشر للموقع الاليكتروني " البيئة بريس"، حاصل على جائزة الحسن الثاني للبيئة في صنف الاعلام ، و جائزة التعاون المغربي- الالماني في الاعلام البيئي، عضو بشبكة الصحفيين الافارقة من اجل البيئة ورئيس الجمعية المغربية للاعلام البيئي والمناخ.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *