هل التوجه العربي الأخضر استراتيجي ومستدام؟

ان المتتبع للشأن البيئي والمناخي في العالم العربي، سيلاحظ انتعاش المبادرات الخضراء لدى اغلب الدول العربية: فهل هذا التوجه الاخضر، توجه استراتيجي يدخل ضمن التخطيطات العمومية العربية، ام انه توجه لكسب مصداقية عالمية، وعقد شراكات خضراء مع الدول المتقدمة، والاستفادة من صناديق التمويلات المناخية؟ ام أنه توجه دبلوماسي، لإسكات الاصوات البيئية التي اصبحت ضاغطة عالميا، وتؤثر في قرارات الدول خاصة بعد صعود التيارات السياسية الخضراء الى دفة الحكم بأروبا؟

إذا تأملنا الخريطة البيئية في الوطن العربي، فأول ملاحظة يمكن تسجيلها، ان جل الدول العربية منخرطة في الاتفاقيات الدولية البيئية، وتتوفر على تخمة من القوانين البيئية، تبقى حبرا على الورق، كما ان التعاطي مع القضايا البيئية والمناخية يختلف مستواه من دولة الى أخرى.

بدول شمال افريقيا ،  فالمغرب يحتل الصدارة في ترجمة التزاماته الدولية على ارض الواقع،  كما دستر بشكل واضح الحق في بيئة صحية وسليمة (دستور 2011)،اضافة الى مشروع مركب نور للطاقات المتجددة، والذي يعتبر حسب الخبراء في مجال الاستدامة ثورة  خضراء وقفزة نوعية ستسمح للمغرب من تحقيق اكتفاءه الذاتي الطاقي، و  تقنية نظيفة يمكن استخدامها في قطاعات عديدة، كالفلاحة، الصناعة، التعمير الى غير ذلك من المجالات، الشيء الذي سيؤدي الى محاربة التلوث ومكافحة التغير المناخي، والحفاظ على صحة الساكنة، والحد من ارتفاع تكاليف فاتورة الكهرباء.

ويحتل المغرب المرتبة الرابعة ضمن قائمة الدول المرشحة لأن تصبح منتجة رئيسية للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050، وذلك وفق تصنيف الوكالة الدولية للطاقات المتجددة “آيرينا”.

وتوقع تقرير الوكالة الذي حمل عنوان “الجغرافيا السياسية لتحول الطاقة.. عامل الهيدروجين”، أن يغطي الهيدروجين المتوقع إنتاجه انطلاقا من المغرب، حوالي 12 بالمئة من استخدام الطاقة العالمي. هذا الطموح تعززه الإمكانات الواعدة التي تزخر بها المملكة في مجال الطاقة المتجددة، وسط توقعات بألا تقتصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل ستفتح الباب أمام تصدير الطاقة إلى الأسواق الأوروبية.

وتبقى المبادرات الجزائرية والتونسية الخضراء، محتشمة وضعيفة، رغم ما يعلن على مستوى الخطاب الرسمي من مشاريع خضراء.

فخصوصية الجزائر الاقتصادية تجعلها مناوئة لأي فعل او تحرك بيئي جاد، فهي دولة منتجة للنفط والغاز اللذان يشكلان قلب اقتصادها النابض، ومحركان لدواليب الدولة وقطاعاتها الاساسية. ولقد صنفت دراسة أمريكية نشرت سنة 2011 مجمع “سونطراك” من بين أكبر 20 مؤسسة صناعية مسببة للتلوث في العالم. وسبق لوزارة البيئة والطاقات المتجددة الجزائرية، أن كشفت عن وجود 6 آلاف وحدة صناعية مصنفة ضمن المؤسسات “الملوث المحتمل” للبيئة و للوديان.

من جهتها تؤكد اللجنة الوطنية للصيد البحري، منذ سنوات أن عشرات الأنواع من الأسماك ذات الاستهلاك الواسع مهددة بالانقراض نتيجة تلوث مياه البحر بفضلات السفن والمصانع، “إن استمرار الوضع الحالي سيحوّل السواحل الجزائرية بعد 50 سنة قادمة إلى بحر ميت” ما يشكل تهديدا حقيقيا للتنوع البيئي في الجزائر.

وتحتل تونس، المرتبة الثالثة افريقيا، والمرتبة 71 عالميا في التلوث البيئي، وفق مؤشر “الأداء البيئي” الدي كشف عنه تقرير “الحقوق البيئية والتنموية” الصادر عن” ائتلاف ارثنا” والدي أكد ان تونس تواجه مشاكل بيئية خطيرة.

واضاف التقرير، ان دستور 2014 يقر بالتزام الدولة بالعمل من اجل سلامة المنا خ ، ومكافحة التلوث البيئي، وبالعديد من الحقوق المتعلقة” بالبيئة والتنمية المستدامة” غير ان هدا الحق، حسب التقرير، يخضع للعديد من الانتهاكات والتجاوزات ، كما ان  القوانين لم يتم ملائمتها مع الدستور والاتفاقيات الدولية الموقع عليها حسب ذات المصدر.

وبالنسبة للدول العربية المنتجة للنفط والغاز، تواجهها اسئلة جوهرية: هل تواصل انتاج النفط والغاز ام تحافظ على البيئة؟ هل يمكن أن تواصل رخاءها وتكافح تغير المناخ في نفس الوقت؟ أم أن ما يوفره النفط والغاز من رفاه اقتصادي واستقرار اجتماعي سيكون مهددا في حال تراجع إنتاجهما، خاصة إذا علمنا انها تمتلك أكثر من57 بالمئة من الاحتياطي العالمي للنفط الخام، كما تمتلك أكثر من 26 بالمئة من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي، حسب إحصاءات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوبك”.؟

وقد أعلنت دول عربية عدة في مقدمتها السعودية، والإمارات العربية المتحدة عن اعتماد استراتيجية لمكافحة تغير المناخ بتقليل الاعتماد على النفط والغاز.

وتشكل المبادرة السعودية الخضراء من اهم المبادرات التي تعرفها دول الشرق الاوسط، نتيجة لتصورها، واهدافها المتكاملة. ففي 23 أكتوبر 2021، أعلن سمو ولي العهد محمد بن سلمان عن حزمة أولى تزيد على 60 برنامجًا ومشروعًا، من شأنها المساهمة في تحقيق الأهداف الشاملة لمبادرة السعودية الخضراء. وتصل استثمارات هذه الحزمة إلى أكثر من 700 مليار ريال سعودي.

فقراءتنا بشكل متأني لأوراق المبادرة السعودية الخضراء، سنقف على فهمها للظرفية الدولية المناخية، وما تطرحها من تحديات عالمية.

فالانخراط البيئي السعودي المستدام، يتجلى في السعي الى إزالة الانبعاثات الكربونية في المملكة والوصول للحياد الصفري بحلول العام 2060.

وقد أعلنت المملكة رفع مساهماتها لخفض الانبعاثات الكربونية من 130 مليون طن إلى 278 مليون طن سنوياً بحلول 2030. وزيادة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة لتصل إلى 50% في العام ذاته. فضلا عن التحوّل إلى مصدّر عالمي رئيسي للهيدروجين الأزرق والأخضر بحلول عام 2035.

وتضمنت المبادرة الايكولوجية السعودية، زرع 10 مليار شجرة في جميع أنحاء المملكة، والعمل على حماية المناطق البرية والبحرية من خلال رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من إجمالي المساحات البرية والبحرية.

جاءت الإجراءات المناخية التي اتخذتها المملكة لرسم مستقبل أخضر، امتداداً لرؤية 2030، وحماية للبيئة والمناخ في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

وفي تقرير جديد صادر عن البنك الدولي بعنوان “تقوية المعرفة بالروابط بين المياه والطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي” يناقش التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في ضمان الاستدامة طويلة الأجل لاستخدام موارد المياه والطاقة الثمينة لديها.

واضاف التقرير، للانتقال نحو اقتصادٍ منخفض الانبعاثات الكربونية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تسريع وتيرة اعتماد مصادر الطاقة المتجددة. وهنا يأتي حسب ذات المصدر فصل إنتاج الماء عن استهلاك الوقود الأحفوري كأحد أهم الأهداف، حيث تعمل وفق التقرير المملكة العربية السعودية على تحقيق هذا الهدف من خلال شروعها في إنشاء أكبر محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في العالم، مما يسمح بالاحتفاظ بالوقود الهيدروكربوني للتصدير، والتخفيف من المخاطر المرتبطة بالأسعار، وتحقيق المستهدفات، وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ورغم التشكيك والانتقادات الغربية، للمشروع العربي الأخضر، فعلى الدول العربية خاصة المنتجة للنفط والغاز ان تتعامل معهما بحذر شديد، لأنه غالبا ما يحكمهما منطق ابتزازي، كما يريد الغرب من خلالهما التملص من مسؤوليته التاريخية، فيما يعرفه العالم من تلوث وتغير مناخي منذ الثورة الصناعية الى اليوم.

وما ينبغي الانتباه اليه، ان المشاريع الإيكولوجية العربية، يجب دوما ان تضع في حسبانها المصلحة الوطنية مع تاطيرها  ضمن التنمية المستدامة، والسعي الى تحقيق أهدافها (17)، لان في ذلك تحقيقا لشروط سوسيو- اقتصادية وبيئية تضع في صلب انشغالاتها الحفاظ على كرامة الانسان العربي.

نبذة عن الكاتب

عبد المجيد بوشنفى، مدير النشر للموقع الاليكتروني " البيئة بريس"، حاصل على جائزة الحسن الثاني للبيئة في صنف الاعلام ، و جائزة التعاون المغربي- الالماني في الاعلام البيئي، عضو بشبكة الصحفيين الافارقة من اجل البيئة ورئيس الجمعية المغربية للاعلام البيئي والمناخ.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *