تقرير برلماني يكشف أسباب فشل برامج محو الأمية.

كشف تقرير برلماني جديد عن اختلالات هيكلية عميقة تعيق نجاح برامج محاربة الأمية في المغرب، محذراً من أن عدداً من الجمعيات المتعاقدة مع الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية باتت تتعامل مع هذه البرامج باعتبارها مصدر ربح مالي أكثر من كونها التزاماً تربوياً وتنموياً.

التقرير الذي أعدّته مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة بمجلس النواب لتقييم برامج محاربة الأمية، ويمتد على أكثر من 280 صفحة، رصد سلسلة من التجاوزات والممارسات غير القانونية التي تقوض فعالية الجهود الوطنية في هذا المجال.

أوضح التقرير أن معدل الأمية في المغرب عرف انخفاضاً نسبياً خلال العقد الأخير، إذ تراجع بين النساء من 42.1% سنة 2014 إلى 32.4% سنة 2024، وبين الرجال من 22.2% إلى 17.2%.

لكن رغم هذا التحسن، ما تزال الفوارق المجالية صارخة، حيث تبلغ نسبة الأمية في الوسط القروي نحو 47.5%، مقابل 17.3% فقط في المدن.

هذا التفاوت، حسب التقرير، يعكس ضعف التخطيط المجالي، وغياب العدالة في توزيع الموارد، ما يجعل سكان المناطق القروية الأكثر هشاشة الأقل استفادة من البرامج التعليمية.

التقرير البرلماني وقف على ممارسات وصفها بـ«غير القانونية»، من بينها التلاعب بلوائح المستفيدين عبر إدراج أسماء لأشخاص لم يتلقوا أي تكوين فعلي، أو إنشاء أقسام وهمية لأغراض مالية، بل وحتى تسجيل الشخص نفسه في أكثر من برنامج لتضخيم عدد المستفيدين.

وأبرز المصدر أن هذه الاختلالات دفعت الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية إلى عدم تجديد اتفاقياتها مع عدد من الجمعيات التي أظهرت ضعفاً في الجدية أو إخلالاً بالتزاماتها التعاقدية.

بحسب التقرير ذاته، شهد عدد المستفيدين من برامج محو الأمية تراجعاً مقلقاً، حيث بلغ خلال موسم 2023-2024 نحو 385 ألفاً و442 مستفيداً فقط، أي بانخفاض يزيد عن 400 ألف شخص خلال ثلاث سنوات.

ويرتبط هذا الانخفاض، وفق التقرير، بـ تراجع عدد الجمعيات المشاركة في تنفيذ البرامج، ما يسلط الضوء على هشاشة نموذج الشراكة المعتمد حالياً بين الدولة والمجتمع المدني.

كما كشفت الزيارات الميدانية التي قامت بها المجموعة النيابية أن الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية تعاني ضعفاً تنظيمياً وهيكلياً واضحاً، إذ تفتقر مديرياتها الجهوية ومندوبياتها الإقليمية إلى مقرات رسمية ثابتة، ما يدفع المسؤولين إلى تسيير أنشطتهم من مواقع مؤقتة، وهو ما يؤثر سلباً على جودة الأداء واستمراريته.

واعتبر التقرير أن أحد أبرز أسباب فشل هذه البرامج هو تحولها لدى بعض الجمعيات إلى مصدر للدخل، ما أدى إلى انحرافها عن أهدافها التربوية الأصلية.

وأشار إلى أن «الاعتماد المفرط على الدعم المالي العمومي دون آليات صارمة للمراقبة» جعل بعض الفاعلين يتعاملون مع هذه المشاريع بمنطق الربح لا الخدمة العامة.

وجاء في التقرير: «عندما تتحول هذه المبادرات إلى مصدر رئيسي للدخل، قد تلجأ بعض الجمعيات إلى أساليب تحايلية لضمان استمرار التمويل، ولو على حساب جودة المحتوى التعليمي، فيفقد البرنامج جوهره الحقيقي».

من جهتها، عبّرت بعض الجمعيات المشاركة في هذه البرامج عن استيائها من غياب شراكة حقيقية مع الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، مشيرة إلى أن التأخر في صرف التمويلات والحصول على المقررات الدراسية والتراخيص يتسبب في تعثر انطلاق الدورات التعليمية في مواعيدها، ما يؤدي إلى ضياع أشهر كاملة من الموسم الدراسي ويؤثر سلباً على جودة التنفيذ.

يخلص التقرير البرلماني إلى أن الإشكال في برامج محاربة الأمية بالمغرب ليس في غياب الإرادة السياسية أو التمويل، بل في ضعف الحكامة والمراقبة وغياب التنسيق الفعلي بين المتدخلين.

وبينما يظل القضاء على الأمية أحد أهم أهداف التنمية، فإن استمرار هذه الاختلالات يجعل هذا الطموح الوطني الكبير رهين منظومة تفتقر للنجاعة والمصداقية.

نبذة عن الكاتب

عبد المجيد بوشنفى، مدير النشر للموقع الاليكتروني " البيئة بريس"، حاصل على جائزة الحسن الثاني للبيئة في صنف الاعلام ، و جائزة التعاون المغربي- الالماني في الاعلام البيئي، عضو بشبكة الصحفيين الافارقة من اجل البيئة ورئيس الجمعية المغربية للاعلام البيئي والمناخ.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *