آخـــر الأخبـــار

العطش يهدد الاستقرار الاجتماعي بالمغرب

البيئة بريس

 

يبلغ تعداد سكان المغرب 34 مليون نسمة حسب إحصاء 2014. وتزداد الحاجة إلى الماء كل سنة في حين يقل نصيب الفرد منه. وقدرت المياه العذبة المتوافرة عام 1970 بنحو 1800 متر مكعب للفرد، لكنها أصبحت لا تتعدى 800 متر مكعب للفرد عام 2010 وفقاً للمعطيات الرسمية، علماً أن ما دون 1000 متر مكعب للفرد سنوياً يعتبر ندرة مائية.

هناك العديد من المعطيات الصادرة عن مراكز دولية تضع المغرب في خانة الدول التي ستعاني نقصاً حاداً في الموارد المائية خلال المستقبل القريب. وقد حذر تقرير لمعهد الموارد المائية في جامعة كاليفورنيا من أن يصبح المغرب بعد 25 سنة ضمن عشرين بلداً هي الأكثر تضرراً من مشكلة نقص المياه، بسبب التغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية والتمدن والنمو السكاني. ونشرت الأمم المتحدة خريطة لحالة الموارد المائية في العالم، حيث صنفت المغرب ضمن الدول التي ستعاني من تراجع كبير في مواردها المائية بحلول 2025.

يطل المغرب على واجهتين بحريتين هما البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. ويعتبر اللجوء إلى تحلية مياه البحر أمراً حتمياً في الجنوب ذي المناخ الجاف. وقد تم تشييد أول محطة لتحلية المياه في طرفاية عام 1976 بقدرة 75 متراً مكعباً في اليوم، تبعتها عدة محطات أكبرها تلك الموجودة في العيون بقدرة 7000 متر مكعب. لكن كلفة استغلال هذه التكنولوجيا باهظة، فتحلية متر مكعب واحد من الماء تكلف نحو ثلاثة دولارات.

يعتمد المغرب على الأمطار والثلوج كمصدر أولي للمياه، لكنها غير منتظمة. كما يعول على مسطحاته المائية من أنهار وبحيرات وسدود منتشرة في أرجائه. وتمتاز جغرافية البلاد بشبكة نهرية مهمة تضم سبعة أنهار رئيسية تنحدر جميعها نحو المحيط الأطلسي، باستثناء نهر ملوية الذي يصب في البحر المتوسط، ونهر درعة الذي يصب في الصحراء وهو أطول نهر ويتخذ من سلسلة جبال الأطلس الكبير منبعاً له ويمتد على طول 1200 كيلومتر.

وفي المغرب اليوم 128 سداً كبيراً و100 سد أخرى بأحجام مختلفة موزعة في أنحاء البلاد. وكانت فرنسا بنت 13 سداً في المغرب قبل خروجها منه عام 1956. وعرفت فترة الملك الراحل الحسن الثاني تشييد عدد كبير من السدود الكبرى، أولها سد الوحدة الذي تم تشيده عام 1996 في الشمال بسعة 3,8 مليارات متر مكعب.

لكن سياسة السدود هذه غير قادرة وحدها على مواجهة أزمة العطش المحتملة، و يدعو الباحثين بالماء  إلى ترشيد استعمال الماء وعدم تلويثه، واجتناب المشاريع المفرطة في استهلاكه مثل إنشاء ملاعب الغولف واستخراج الغاز الصخري، واختيار المحاصيل الزراعية التي لا تحتاج إلى ري كثيف، مضيفاً: «لا يعقل أن بلداً يتهدده الجفاف يستنزف المياه لإنتاج الطماطم بقصد تصديرها إلى الخارج”

مناطق بالمغرب على وقع العطش

تعيش بعض مناطق المغرب على وقع العطش ، حيث يعاني الآلاف من سكان قرى وبوادي نائية في البلاد من ندرة المياه الصالحة للشرب، ما دفع الكثير من المواطنين إلى تنظيم احتجاجات ومسيرات ضد تجاهل الحكومة لما يعانونه من عطش.
وخاض العديد من المواطنين المغاربة بضواحي مدينة تاونات الصيف الماضي، وتحديدا من دواوير قروية بجماعة جبابرة، احتجاجات متكررة ، بسبب غياب المياه الصالحة للشرب، مطالبين السلطات المحلية بتوفير المياه لهم ولعائلاتهم، ومحذرين من تأثيرات سلبية على الصحة والبيئة جراء ندرة المياه.
وتجمع سكان مناطق قروية بضواحي تاونات بالقرب من مقر السلطات المحلية بالمدينة، مطالبين بتوفير المياه لأكثر من خمسة آلاف شخص يعانون من ندرة مياه الشرب، بالنظر إلى أن “الصهريج المائي الذي يتم توزيعه عن طريق شاحنة مرتين في الأسبوع ليس كافيا في الصيف الحارق”.
وخرج مئات المواطنين ، بمنطقة تازة، وسط المغرب، من أجل الاحتجاج ضد العطش، حيث توجهوا إلى مدينة فاس، معلنين غضبهم حيال الأوضاع التي وصفوها بالمزرية التي يعيشونها، خاصة معاناتهم المتفاقمة مع العطش في الصيف.
وعزا السكان المتخوفون من تأثيرات العطش الذي يحوم فوق رؤوسهم، ندرة المياه الصالحة للشرب، إلى نضوب مياه المنابع الموجودة بمنطقتهم، حيث كانت بمثابة المزود الرئيسي للسكان، ما جعل عشرات الأسر لا تجد الماء الذي يروي عطش أبنائها.

يقول أحد سكان منطقة رباط الخير، التي تعاني بعض دواويرها من ندرة مياه الشرب، لـلجريدة، إن مشكلة العطش تتكرر كل صيف في المنطقة، موضحا أن السكان يتزودون بالمياه من خلال صهريج متنقل توفره السلطات المحلية.
وأردف أنه “إذا تأخرت الشاحنة المحملة بصهريج الماء، أو حدث زحام من المطالبين بالتزود بالماء، أو إذا اشتدت الحرارة كما هو الحال في هذه الأيام، فإن مياه الصهريج لا تسمن ولا تغني من عطش، وبالتالي يعاني السكان من العطش في صمت وألم”.
وتؤكد الحكومة أيضا وجود شبح العطش، حيث دقت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، ناقوس الخطر بشأن العطش الدي يتهدد البلاد بسبب تراجع الأمطار، وجراء الإفراط في استعمال المياه الجوفية، مبرزة أن المغرب سيفقد 6 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي سنة 2050.
وتقترح وزيرة الماء حلولا لمحاربة مخاطر العطش في السنوات المقبلة، تتمثل أساسا في تحلية مياه البحر، خاصة أن البلاد توجد على ضفاف بحرين، البحر المتوسط، والمحيط الأطلسي، مؤكدة أن المغرب سيقيم قريبا محطات لتحلية مياه الأطلسي والمتوسط.

زاكورة العطش المستدام

اصبح الهاجس الأكبر الذي يورق بال سكان جميع دواوير والجماعات القروية التي تنتشر في منطقة زاكورة هو الحصول على قطرة ماء صالحة للشرب تشفيهم من شدة العطش في ظل حرارة شمس صيف قائض. فشبح العطش أصبح يخيم على الجميع يناقش في كل مكان و يقتحم كل الفضاءات، بل أصبح واقعا يهدد المنطقة بأكملها.

ويعد هذا النقص في المياه من بين أكبر المشاكل التي تعاني منها المنطقة و الساكنة على حد سواء بشكل يومي منذ سنوات، فبسببها ارتفعت نسبة الهجرة القروية من المنطقة في اتجاه المدن المجاورة، وجعل السكان يعيشون في أزمات مختلفة و في ظروف صعبة، فأسباب ذلك تعود إلى محدودية مصادر المياه في المنطقة التي لا تتعدى المطامر التي تدخر مياه المطر، و الآبار التي تشكو من غياب فرشة مائية قوية تزودها بما يكفي من المياه مما يجعلها موسمية حيث تقل فيها نسبة المياه أو تنعدم خاصة في فصل الصيف، وذلك ما يجعل السكان يلتجئون إلى آبار بعيدة جدا عن موطن سكنهم.

فأزمة الماء ليست و ليدة الفترة الراهنة التي تعرف توالي سنوات الجفاف، وإنما هي أزمة دائمة استمرت منذ عقود، و تزداد خطورة في ظل التزايد الديموغرافي و نضب المياه في المنطقة. إلا أن المشكل الأساسي الذي لم يعد السكان في منطقة زاكورة تحمله و فهمه، يتمثل في تقاعس الجهات المسئولة على المستوى الإقليمي و الجهوي و المركزي في حل هذه الأزمة أو على الأقل خلق مبادرات للحد و التخفيف من خطورة الوضع، وتجاهلت نفس الجهات المعنية كل ملتمسات وصرخات السكان، وتركوهم يكابدون “وباء” العطش في عزلة حادة و بإمكانيات محدودة جدا، مما جعل أغلب دواوير و مداشر المنطقة منكوبة تنخرها الهجرة و كل الآفات الاجتماعية الأخرى.

وقد نظم السكان عدة وقفات احتجاجية للمطالية بالماء الصالح للشرب، شاركت فيها جمعيات محلية ، تلاميد، شيوح ونساء. يقول احد الفاعلين المدنيين” المنطقة هشة اقتصاديا واجتماعيا، تعاني من الفقر والفقر والحاجة، وانضاف الى هدا كله غياب الماء الصالح للشرب، ومقبلة على الانقراض لو استمر الوضع على هدا النحو”

نبذة عن الكاتب

عبد المجيد بوشنفى، مدير النشر للموقع الاليكتروني " البيئة بريس"، حاصل على جائزة الحسن الثاني للبيئة في صنف الاعلام ، و جائزة التعاون المغربي- الالماني في الاعلام البيئي، عضو بشبكة الصحفيين الافارقة من اجل البيئة ورئيس الجمعية المغربية للاعلام البيئي والمناخ.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *